الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **
1608 - (أما بعد ألا أيها الناس) الحاضرون أو أعم (فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي) يعني ملك الموت (فأجيب) أي أموت كنى عنه بالإجابة إشارة إلى أنه ينبغي تلقيه بالقبول كأنه مجيب إليه باختياره (وأنا تارك فيكم ثقلين) سميا به لعظم شأنهما وشرفهما (أولهما كتاب اللّه) قدمه لأحقيته بالتقدم (فيه الهدى) من الضلال (والنور، من استمسك به وأخذ به كان على الهدى ومن أخطأه ضل) أي أخطأ طريق السعادة وهلك في ميادين الحيرة والشقاوة (فخذوا بكتاب اللّه واستمسكوا به) فإنه السبب الموصل إلى المقامات العلية والسعادة الأبدية (وأهل بيتي) أي وثانيهما أهل بيته وهم من حرمت عليهم الصدقة من أقربائه، قال الحكيم: حض على التمسك بهم لأن الأمر لهم معاينة فهم أبعد عن المحنة وهذا عام أريد به خاص وهم العلماء العاملون منهم فخرج الجاهل والفاسق وهم بشر لم يعروا عن شهوات الآدميين ولا عصموا عصمة النبيين وكما أن كتاب اللّه منه ناسخ ومنسوخ فارتفع الحكم بالمنسوخ هكذا ارتفعت القدرة بغير علمائهم الصلحاء وحث على الوصية بهم لما علم مما سيصيبهم بعده من البلايا والرزايا انتهى. (أذكركم اللّه في أهل بيتي) أي في الوصية بهم واحترامهم وكرره ثلاثاً للتأكيد. قال الفخر الرازي: جعل اللّه تعالى أهل بيته مساوين له في خمسة أشياء في المحبة [ص 175] وتحريم الصدفة والطهارة والسلام والصلاة ولم يقع ذلك لغيرهم (تتمة) قال الحافظ جمال الدين الزرندي في نظم درر السبطين ورد عن عبد اللّه بن زيد عن أبيه أنه عليه الصلاة والسلام قال من أحب أن ينسأ له في أجله وأن يمتنع بما خلفه اللّه فليخلفني في أهلي خلافة حسنة فمن لم يخلفني فيهم بتر عمره وورد عليّ يوم القيامة مسوداً وجهه. - (حم وعبد بن حميد م) في المناقب كلهم (عن زيد بن أرقم) قال: قام فينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خطيباً بماء يدعى خماً بين مكة والمدينة فحمد اللّه تعالى وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال أما بعد فذكره وتتمته في مسلم من عدة طرق لفظه في أحدها قيل لزيد أليس نساؤه من أهل بيته قال ليس نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده وفي رواية له إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها. أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة. 1609 - (أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب اللّه) القرآن لأنه يستحيل الكذب في خبره وإنما تكذب الظنون في فهم خطابه وإنما ينتفي الريب عن سامعه بقدر قوة إيمانه ومتانة إبقائه وسماه حديثاً لنزوله منجماً لا لكونه ضد القديم (وأوثق العرى كلمة التقوى) كلمة الشهادة إذ هي الوفاء بالعهد ومعنى إضافتها إلى التقوى انها سبب التقوى وأسها وقيل كلمة أهل التقوى ذكره في الكشاف وقوله اوثق العرى من باب التمثيل مثلت حال المتقي بحال من أراد التدلي من شاهق فاحتاط لنفسه بتمسكه بعروة من حبل متين مأمون انقطاعه (وخير الملل ملة إبراهيم) الخليل ومن ثم أمر صلى اللّه عليه وسلم باتباعها [ص 176] (وخير الهدى ما اتبع) بالبناء للمجهول أي اقتدي به كنشر العلم للمريدين وتهذيب المشايخ لأحوال السالكين وهي سيرة المرسلين وشر العمى عمى القلب لأن عماه يفقد نور الإيمان بالغيب فيثمر الغفلة عن اللّه والآخرة [ص 177] من جثاء جهنم من جماعتها وفي رواية للقضاعي من جمر جهنم. قال شارحه: لأن الغلول يصير على الغال جوراً لقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم في الذي غل شملة إنها تضرم عليه ناراً (والكنز) أي المال الذي لم تؤد زكاته (كي من النار) أي يكوي صاحبه في نار جهنم (والشعر) بكسر الشين الكلام المقفى الموزون قصداً (من مزامير إبليس) أي الشعر المحرم لا الجائز (والخمر جماع الإثم) أي مجمعه ومظنته والجماع اسم لما يجمع ويضم يقال هذا الباب جماع الأبواب من جمعت الشيء ضممته كالكفات من كفت الشيء إليه إذا ضمه وجمعه ذكره الكشاف. وفي الفائق جماع كل شيء مجمتمع أصله يقال لما اجتمع في الغصن من النور هذا جماع الثمر (والنساء حبالة الشيطان) أي مصائده وفخوخه واحدها حبالة بالكسر وهي ما يصاد بها من أي شيء كأن دعى رجل إلى قتل نفس فأبى ثم إلى الزنا فأبى ثم إلى الخمر فشرب فزنا فقتل وقيل ما أيس الشيطان من آدمي من قبل النساء ومن ثم قال سليمان عليه الصلاة والسلام: امش وراء الأسد ولا تمش وراء المرأة وسمع عمر رضي اللّه عنه تعالى امرأة تقول: إن النساء رياحين خلقن لكم * وكلكم يشتهي شم الرياحين فقال: إن النساء شياطين خلقن لنا * نعوذ باللّه من شر الشياطين وقال بعض الحكماء: إياك ومخالطة النساء فإن لحظات المرأة سهم ولفظها سم (والشباب شعبة من الجنون) لأن الجنون يزيل العقل وكذا الشباب قد يسرع إلى قلة العقل لما فيه من كثرة الميل إلى الشهوات والإقبال على المضار لحداثة السن سيما مع الجدة. إن الشباب والفراغ والجده * مفسدة للمرء أي مفسدة (وشر المكاسب كسب الربا) أي التكسب به لأن درهماً منه أشد من ثلاث وثلاثين زينة كما يجىء في أخبار (وشر المآكل أكل مال اليتيم) ظلماً إن السعيد له من غيره عظة * وفي التجارب تحكيم معتبر وقال حجة الإسلام: المراد أن الإنسان يشاهد من خبائث من اضطر إلى مرافقته وأحواله وصفاته ما يستقبحه فيجتنبه وقيل لعيسى عليه الصلاة والسلام من أدبك فقال ما أدبني أحد رأيت جهل الجاهل فجانبته. قال الحجة: ولقد صدق فلو اجتنب الناس ما يكرهونه من غيرهم لكملت آدابهم واستغنوا عن مؤدب فاطلع في القبور واعتبر بالنشور وانظر إلى مصارع آبائك وفناء إخوانك، ومن أمثالهم كم قذف الموت في هوة من جمجمة من هوة وكفى بالموت واعظاً ونظر الحسن رضي اللّه عنه إلى ميت يقبر فقال: واللّه إن أمراً هذا أوله لحريّ أن يخاف آخره وإن أمراً هذا آخره لجدير أن يزهد في أوله. وقال مطرف: أفسد الموت على أهل النعيم نعيمهم فاطلبوا نعيماً لا موت فيه. وقال الحكماء: للباقين بالماضين معتبراً وللآخرين بالأولين مزدجر والسعيد من لا يركن إلى الخدع ولا يغتر بالطمع. وقالوا: السعيد من اعتبر بأمه واستظهر لنفسه والشقي من جمع لغيره وبخل على نفسه (والشقي من شقي في بطن أمه) فلا اختيار للسعيد في تحصيل السعادة ولا اقتدار للشقي على تبديل الشقاوة. قال ابن الكمال: ومعنى الحديث أن السعيد مقدر سعادته وهو في بطن أمه والشقي مقدر شقاوته وهو في بطن أمه وتقدير الشقاوة له قبل أن يولد لا يدخله في حيز [ص 178] ضرورة السعادة كما دل عليه خبر كل مولود يولد على الفطرة (وإنما يصير أحدكم) إذا مات (إلى موضع أربع أذرع) وهو اللحد وانظر إلى ما تصير وفيم تسكن وقيل في آية - (البيهقي في الدلائل) أي في كتاب دلائل النبوة (وابن عساكر) في تاريخه (عن عقبة بن عامر الجهني) قال خرجنا في غزوة تبوك فاسترقد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذ كان منها على ليلة فلم يستيقظ حتى كانت الشمس كرمح فقال ألم أقل لك يا بلال اكلأ لنا الفجر فقال: يا رسول اللّه ذهب بي الذي ذهب بك فانتقل غير بعيد ثم صلى ثم حمد اللّه ثم أثنى عليه ثم قال أما بعد إلى آخره (أبو نصر) عبد اللّه بن سعيد (السجزي) بكسر السين المهملة وسكون الجيم نسبة لسجستان على غير قياس (في الإبانة) أي في كتاب الإبانة له (عن أبي الدرداء) مرفوعاً (ش) وكذا أبو نعيم في الحلية والقضاعي في الشهاب قال بعض شراحه حسن غريب (عن ابن مسعود موقوفاً) ورواه العسكري والديلمي عن عقبة. 1610 - (أما بعد فإن الدنيا) في الرغبة والميل إليها وحرص النفوس عليها كالفاكهة التي هي (خضرة) في المنظر (حلوة) في المذاق وكل منهما يرغب فيه منفرداً فكيف إذا اجتمعا وقال الأكمل الحلو ما يميل إليه الطبع السليم والأخضر الطري الناعم وأراد أن صورة الدنيا ومتاعها حسن المنظر يعجب الناظر (وإن اللّه مستخلفكم فيها) أي جاعلكم خلفاً في الدنيا (فناظر كيف تعملون) يعني أن الأموال التي في أيديكم إنما هي أموال اللّه خلقها وخولكم إياها وخولكم الاستمتاع فيها وجعلكم خلفاً بالتصرف فيها فليست هي بأموالكم حقيقة بل أنتم فيها بمنزلة الوكلاء فناظر هل تتصرفون فيها على الوجه الذي يرضى به المستخلف أو لا والمراد مستخلفكم فيما كان بأيدي من قبلكم بتوريثكم إياهم فناظر هل تعتبرون بحالهم أو لا وكيفية النظر من المتشابه نؤمن بأنه يصير ولا تشتغل بكيفيته والحديث مسوق للحذر من زخرف الدنيا وزهرتها (فاتفوا الدنيا واتقوا النساء) خصص بعد ما عمم إيذاناً بأن الفتنة بهنّ أعظم الفتن الدنيوية فإنه سبحانه أخبر بأن الذي زين به الدنيا من ملاذها وشهواتها وما هو غاية أما في طلابها ومؤثريها على الآخرة سبعة أشياء أعظمها النساء اللاتي هن أعظم زينتها وشهوتها وأعظمها فتنة وقد أخرج ابن عساكر عن ابن عمر أن إبليس لقي موسى عليه الصلاة والسلام فقال يا موسى إن لك علي حقاً إياك أن تجالس أمرأة ليست بمحرم فإني رسولها إليك ورسولك إليها انتهى. ومن ثم قال (فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء) يريد قتل النفس التي أمر [ص 180] بنو إسرائيل فيها بذبح البقرة واسم المقتول عاميل قتله ابن أخيه أو عمه ليتزوج ابنته أو زوجته. وقال في المطامح: يحتمل كونه أشار إلى قصة هاروت وماروت لأنهما فتنا بسبب امرأة من بني إسرائيل ويحتمل أنه أشار إلى قضية بلعام بن باعوراء لأنه إنما هلك بمطاوعة زوجته وبسببهنّ هلك كثير من العلماء (ألا إن بني آدم خلقوا على طبقات شتى) أي متفرقة قال في الصحاح: أمر شتت بالفتح أي متفرق وشتته فرقه وقوم شتى وأشتاتاً أي متفرقون وقال الزمخشري: تقول تفرقوا شتى وأشتاتاً (منهم من يولد ويحيا مؤمناً ويموت مؤمناً) وهذا الفريق هم سعداء الدنيا والآخرة (ومنهم من يولد كافراً ويحيا كافراً ويموت كافراً) وهذا القسم هم أهل الشقاوة (ومنهم من يولد مؤمناً ويحيا مؤمناً ويموت كافراً) أي يسبق عليه الكتاب فيختم له بالكفر (ومنهم من يولد كافراً ويحيا كافراً ويموت مؤمناً) أي يختم له بالإيمان فيصير من أهل السعادة. (ألا إن الغضب جمرة توقد) أي تتوقد فحذف إحدى التاءين للتخفيف (في جوف ابن آدم ألا ترى إلى حمرة عينيه) عند الغضب (وانتفاخ أوداجه) جمع ودج بفتح الدال وتكسر وهو عرق الاخدع الذي يقطعه الذابح فلا يبقى معه حياة ويسمى الوريد أيضاً وذلك لأن اللّه خلقه من نار وعجنه بطينة الإنسان فمهما نوزع في شيء من الأغراض اشتعلت نار الغضب فيه وفارت فوراناً يغلي منه دم القلب وينتشر في العروق فيرتفع إلى أعلى البدن ارتفاع الماء في القدر ثم ينصب في الوجه والعينين فيحمرا منه إذ البشرة لصفائها تحكي ما وراءها وإذا تكيف بهذه الحالة ارتعدت أطرافه واضطربت حركاته وأزبدت أشداقه واحمرت أحداقه وخرج عن حيز الاعتدال حتى لو رأى نفسه سكن غضبه حياء من قبح صورته ولو كشف له عن باطنه لرآه أقبح من ظاهره فإنه عنوانه الناشىء عنه. قال الغزالي: قال بعض الأنبياء لإبليس بأي شيء تغلب ابن آدم قال آخذه عند الغضب وعند الهوى وظهر إبليس لراهب فقال له أي أخلاق بني آدم أعون لك قال الحدة فإذا كان العبد حديداً قلبناه كما تقلب الصبيان الكرة (فإذا وجد أحدكم) في نفسه (شيئاً من ذلك) يعني من بوادر الغضب (فالأرض الأرض) أي فليضطجع بالأرض ويلصق نفسه فيها لتنكسر حدته وتذهب حدة غضبه وفي رواية فليلزق بالأرض وفي أخرى فليجلس ولا يعدو به الغضب فيجلسه في نفسه ولا يعديه إلى غيره بإيذائه والانتقام منه، ولاستحالة هذا المعنى في حقه تعالى كان غضبه هو إرادة الانتقام فتكون صفة ذات أو الانتقام نفسه فتكون صفة فعل (ألا إن خير الرجال) ذكر الرجال وصف طردي والمراد الآدميين ذكوراً أو إناثاً (من كان بطيء الغضب سريع الرضا وشر الرجال من كان) بعكس ذلك (سريع الغضب بطيء الرضا فإذا كان الرجل بطيء الغضب بطيء الفيء) أي الرجوع (وسريع الغضب سريع الفيء فإنها بها) أي فإن إحدى الخصلتين تقابل الأخرى فلا يستحق مدحاً ولا ذماً ومن هنا قال الراغب والغزالي في الغضب نار تشتعل والناس مختلفون فيه فبعضهم كالحلفاء سريع الوقود سريع الخمود وبعضهم كالغضا بطيء الوقود بطيء الخمود وبعضهم سريع [ص 181] الوقود بطيء الخمود وبعضهم بالعكس وهو أحمدهم ما لم يفض به إلى زوال حميته وفقد غيرته واختلافهم تارة يكون بحسب الأمزجة فمن كان طبعه حاراً يابساً يكثر غضبه ومن كان بخلافه يقل وتارة يكون بحسب اختلاف العادة فمن الناس من تعود السكون والهدوء وهو المعبر عنه بالذلول والهين واللين ومنهم من تعود الطيش والانزعاج فيتحدث بأدنى ما يسمعه ككلب يسمع حساً فيعوي قبل أن يعرف ما هو فأسرع الناس غضباً الصبيان والنساء وأكثرهم ضجراً الشيوخ وأجل الناس شجاعة وأفضلهم مجاهدة وأعظمهم قوة من كظم الغيظ. (ألا إن خير الناس التجار) بضم التاء جمع تاجر (من) أي تاجر (كان حسن القضاء) أي الوفاء لما عليه من ديون التجارة ونحوها (حسن الطلب) أي سهل التقاضي يرحم المعسر وينظره ولا يضايق الموسر في الأشياء التافهة ولا يلجئه إلى الوفاء في وقت معين ولا من مال معين (وشر التجار من كان سيء القضاء) أي لا يوفي لغريمه دينه إلا بكلفة ومشقة وتماطل مع يساره (سيء الطلب) أي ملح على مديونه بالطلب من غير مرحمة ولا شفقة بل بصعوبة مع علمه باعساره إذ ذاك (فإذا كان الرجل) التاجر وذكر الرجل وصف طردي لأن غالب المتجر إنما يتعاناه الرجال لا لإخراج النساء (حسن القضاء سيء الطلب أو كان) بعكسه (سيء القضاء حسن الطلب فإنها بها) أي فإحدى الخصلتين تقابل بالأخرى نظير ما تقدم ويجري ذلك كله في كل من له حق أو عليه حق وإنما خص التجار لأكثرية القضاء والتقاضي فيما بينهم (ألا إن لكل غادر لواء) أي ينصب له (يوم القيامة) لواء حقيقة (بقدر غدرته) فإن كانت كبيرة نصب له لواء كبير وإن كانت صغيرة فصغير وفي خبر أنه يكون عند إسته وقيل اللواء مجاز والمراد شهرة حاله وإذاعته بين الملأ في ذلك الموقف الأعظم (ألا وإن أكبر الغدر غدر أمير عامة) بالإضافة (ألا لا يمنعن رجلاً مهابة الناس أن يتكلم بالحق إذا علمه) فإن ذلك يجب عليه وليست مهابة الناس عذراً في التخلف بشرط سلامة العاقبة (ألا إن أفضل الجهاد) أي أنواعه (كلمة حق) يتكلم بها كأمر بمعروف أو نهي عن منكر (عند سلطان جائر) أي ظالم فإن ذلك أفضل من جهاد العدو لأنه أعظم خطراً كما سلف تقريره عما قريب (ألا إن مثل ما بقي من الدنيا فيما مضى منها مثل ما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه) يعني ما بقي من الدنيا أقصر وأقل مما سلف منها فهي ولت حذاء ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء وإذا كانت بقية الشيء وإن كثرت في نفسها قليلة بالإضافة إلى معظمه كانت خليقة بأن توصف بالقلة ذكره الزمخشري. - (حم ت ك هب) كلهم (عن أبي سعيد) الخدري قال صلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم العصر ثم قام خطيباً فلم يدع شيئاً يكون إلى قيام الساعة إلا أخبرنا به حفظه من حفظه ونسيه من نسيه وكان فيما قال أما بعد إلى آخره وفيه علي بن زيد بن جدعان أورده الذهبي في الضعفاء وقال أحمد ويحيى ليس بشيء. 1611 - (أمامكم) بفتح الهمزة (حوض) كي تردونه يوم القيامة قيل هو الكوثر والأظهر أنه غيره وهل هو بعد الصراط وقبله قولان وجمع بالتعدد (كما بين جرباء) بفتح الجيم وسكون الراء وموحدة يقصر ويمد قرية بالشام (وأذرح) بفتح [ص 182] الهمزة وسكون الذال المعجمة وضم الراء وحاء مهملة قرية بالشام أيضاً وفي الحديث حذف بينته رواية الدارقطني وهو ما بين ناحيتي حوضي كما بين المدينة وبين جرباء وأذرح. فالمسافة بين المدينة وبينهما ثلاثة أيام لا بينهما وقد غلط من قال بينهما ثلاثة أيام كما بينه صاحب القاموس اقتداء ببعض الأعلام لأن بين جرباء وأذرح ميل بل أقل بل الواقف في هذه ينظر هذه كما حرره بعض الثقات. - (خد عن ابن عمر) بن الخطاب وفي الطبراني نحوه. 1612 - (أمان لأهل الأرض من الغرق) بفتح الراء مصدر (القوس) أي ظهور القوس المسمى بقوس قزح. قال ابن القيم: سمي به لأنه أول ما رؤي في الجاهلية على جبل قزح بالمزدلفة أو لأن قزح اسم شيطان ويوضح المراد بقوله القوس ما رواه السدي أن علياً رضي اللّه عنه نظر إلى السماء فرأى قوس قزح، فقال ما هذا؟ قالوا قوس قزح قال لا تقولوا هذا قولوا قوس اللّه وأمان من الغرق وفي أجوبة علي كرم اللّه وجهه لابن الكواء أن القوس علامة كانت بين نوح وربه أمان لأهل الأرض من الغرق (وأمان لأهل الأرض) أي كلهم أو المراد جزيرة العرب (من الاختلاف) تفرق الكلمة والفتن (الموالاة) المناصرة والموادة (لقريش)-قال الحكيم أراد بقريش أهل الهدى منهم وإلا فبنو أمية وأضرابهم حالهم معروف وإنما الحرمة لأهل التقوى- القبيلة المعروفة أي ما داموا على سنن الاستقامة ومنهج العدالة كما يفيده قوله في الحديث المار استقيموا لقريش ما استقاموا لكم إلى آخره (فإذا خالفتها قبيلة من العرب صاروا) أي المخالفون (حزب ابليس) أي جنده - (طب) عن أحمد الابار عن إسحاق بن سعيد بن الأركون عن خليد بن دعلج عن عطاء عن ابن عباس (ك) في المناقب عن مكرم عن الابار عن إسحاق بن الأركون عن خليد عن قتادة عن عطاء (عن ابن عباس) قال الحاكم صحيح ورده الذهبي بأنه واه وفي إسناده ضعيفان ابن الأركون وخليد انتهى. وحكم ابن الجوزي بوضعه ونازعه المؤلف بما حاصله أن له شاهداً من كلام ابن عباس. 1613 - (أمان لأمتي من الغرق إذا ركبوا البحر) في رواية الطبراني بدله السفينة وفي رواية ابن مردويه سفينة وفي رواية الفلك لكن لفظ رواية ابن السني التي عزى المؤلف إليها ركبوا ولم يذكر بحراً ولا سفينة كما ذكره النووي (أن يقولوا) أي يقرؤوا عند دخول السفينة أو عند سيرها قوله تعالى - (ع وابن السني) من طريق أبي يعلى المذكور قال حدثنا أبو يعلى أنبأنا جنادة حدثنا يحيى بن العلاء أنبأنا مروان بن سالم أنبأنا طلحة العقيلي (عن الحسين) بن علي يرفعه قال ابن حجر وجنادة ضعيف وشيخه أضعف منه وشيخ شيخه كذلك بالاتفاق فيهما وطلحة مجهول انتهى وفي الميزان يحيى بن العلاء قال أحمد كذاب يضع الحديث ثم ساق له أخباراً هذا منها. 1614 - (أم القرآن) الفاتحة سميت به لكونها مفتتح القراءة قال الخليل كل شيء ضم إليه ما يليه سمي أمّاً وهي مشتملة على [ص 183] كليات معاني القرآن وهو الثناء على اللّه والمعاش وهو العبادة والمعاد وهو الجزاء وقال القاضي: سماها أمّاً-واستشكل بأن كثيراً من السور مشتمل على هذه المعاني مع أنها لم تسم بأم القرآن وأجيب بأنها سابقة على غيرها وضعاً بل نزولاً عند الأكثر فنزلت من تلك السور منزلة مكة من جميع القرى حيث مهدت أولاً ثم دحيت الأرض من تحتها وكما سميت أم القرى سميت هذه أم القرآن على أنه لا يلزم اطراد وجه الشبه- لأنها بينة في نفسها مبينة لما عداها من المتشابهات فهي كالأصل له (هي السبع المثاني) اللام للعهد قال تعالى - (خ عن أبي بكر) الصديق. 1615 - (أم القرآن) قال الحرالي سميت به لأنها له عنوان وهو كله لها بسط وتبيان وقال القاضي: لاشتمالها على المعاني التي في القرآن من الثناء على اللّه بما هو أهله وذكر الذات والصفات والأفعال والتعبد بالأحكام والترغيب والترهيب بالوعد والوعيد وقصة الغابرين من العصاة والمطيعين (عوض من غيرها) من القرآن وغيره (وليس غيرها منها عوض) وحينئذ فلا يقوم مقامها في الصلاة سورة من القرآن غيرها عند القدرة ولذلك لم يكن لها في الكتب الإلهية عديل. - (قط) وتقدمه إليه الكرماني (ك عن عبادة) بن الصامت وصححه قال ابن القطان ولا ينبغي تصحيحه ففيه محمد بن خلاد لا يعرف من حاله ما يعتمد عليه وعميد يروي مناكير منها هذا الخبر الذي لا يعرف إلا من روايته. 1616 - (أم الولد حرة) أي حكمها حكم الحرة في كونها لا تباع ولا ترهن ولا توهب ولا يتصرف فيها بإزالة ملك-ويصح بيعها إذا اشترت نفسها أو كانت مرهونة أو جانية تعلق برقبتها مال وكان المالك فيهما معسراً حال الاستيلاد- (وإن كان) الولد (سقطاً) لم تنفخ فيه الحياة بل ولو كان مخططاً خفي التخطيط بحيث لا يعرفه إلا القوابل وهذا مجمع عليه الآن وما كان من خلاف فيه من الصدر الأول فقد مضى وانقضى. - (طب عن ابن عباس) وفيه الحسين بن عيسى الحنفي قال الذهبي في الضعفاء له مناكير عن الحكم بن إبان قال ابن المبارك ارم به ووثقه غيره ورواه الدارقطني باللفظ المزبور عن ابن عباس قال الفرياني في اختصار الدارقطني وفيه الحسين بن عيسى الحنفي ضعيف قال ابن عدي عامة أحاديثه غرائب وفي بعضها مناكير وشيخه الحكم بن إبان قال ابن المبارك أرم. 1617 - (أم ملدم) مفعل من لدمه إذا لطمه ويروى بالذال المعجمة من لذم بمعنى الزم وهي الحمى (تأكل) مضارع أكل (اللحم) أي إذا لازمت الإنسان أنحلته (وتشرب الدم) يعني تحرقه (بردها وحرها من جهنم) أي بدل من جهنم لمن أصابته من المؤمنين كما يوضحه خبر الحمى حظ المؤمن من النار فليس المعنى على الغشية كما قد يتوهم. قال الزمخشري: العرب تقول الحمى أنا أم ملدم آكل اللحم وأمص الدم قال المصنف ولذلك كانت شهادة وحصل المؤمن منها على الحسنى وزيادة وقد جاءت إلى خدمة [ص 184] المصطفى صلى اللّه تعالى عليه وسلم واستأذنت بالباب وهي واقفة لديه وسألته يبعثها إلى أحب قومه فبعثها إلى الأنصار لأنهم ذوو النهى وأولوا الأبصار لتكون وقاء ووقاء لهم من النار. - (طب عن شبث) بشين معجمة وموحدة فمثلثة (ابن سعيد) البلوي شهد فتح مصر وله صحبة قال الهيثمي فيه بقية بن الوليد وهو مدلس. 1618 - (أم أيمن) بركة حاضنة المصطفى صلى اللّه تعالى عليه وسلم ودايته وهي أم أسامة بن زيد (أمي بعد أمي) أي في الاحترام وفي حضنها إياه فإن أمه ماتت وهو ابن ست أو سبع أو ثمان سنين فاحتضنته أم أيمن. قال الزمخشري: جعلها أماً لأن الداية تدعى أماً لقيامها مقام الأم انتهى، ماتت بعد النبي صلى اللّه عليه وسلم بخمسة أشهر. - (ابن عساكر) في التاريخ في ترجمة أسامة بن زيد (عن سليمان بن أبي شيخ مرسلاً معضلاً)-هو ما سقط من اثنان من أي موضوع كان وإن تعددت المواضع سواء كان الساقط الصحابي أو التابعي أم غيرهما- 1619 - (أمتي يوم القيامة غر) بضم المعجمة وشد الراء جمع أغر أي ذووا غرة (من السجود) أي من أثر السجود في الصلاة، قال تعالى - (ت عن عبد اللّه بن بسر) بضم الموحدة وسكون المهملة وقال حسن صحيح غريب. 1620- (أمتي أمة مباركة لا يدرى أولها خير) من آخرها (أو آخرها) خير من أولها لتقارب أوصافهم وتشابه أفعالهم كالعلم والجهاد والذب عن بيضة الإسلام وقرب نعوت بعضهم من بعض في ظواهرهم فلا يكاد يميز الناظر بينهم وإن [ص 185] تفاوتوا في الفضل في نفس الأمر فيحكم بالخير لأولهم وآخرهم ولذا قيل هم كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاها ثم إن هذا لا يناقضه خبر خير الناس قرني لأنهم إنما كانوا خيراً لأنهم نصروه وآووه وجاهدوا معه وقد توجد نحو هذه الأفعال آخر الزمان حين يكثر الهرج وحتى لا يقال في الأرض اللّه. قال الكلاباذي وغيره: وأما خبر خير الناس قرني فخاص بقوم منهم والمراد في قرني كالعشرة وأضرابهم وأما سواهم فيجوز أن يساويهم أفاضل أواخر هذه الأمة كالذين ينصرون المسيح ويقاتلون الدجال فهم أنصار النبي وإخوانه اهـ. الأمة جمع لهم جامع من دين أو زمان أو مكان أو غير ذلك فإنه مجمل يطلق تارة ويراد بها كل من كان مبعوثاً إليهم نبي آمنوا به أو لم يؤمنوا ويسمون أمة الدعوة وأخرى، ويراد بهم المؤمنون به المذعنون له وهم أمة الإجابة وهذا المراد هنا. - (ابن عساكر) في تاريخه (عن عمرو بن عثمان) بن عفان بن العاص الأموي (مرسلاً) قال الذهبي وهو ثقة. 1621 - (أمتي) المجتمعون على ملتي (أمة مرحومة) أي من اللّه أو بعضهم لبعض (مغفور لها) من بارئها (متاب عليها) أي يتوب اللّه عليها ولا بتركها مصرة على الذنب ذكره المؤلف لأنهم جمعهم الدين وفرقتهم الدنيا مع اجتماعهم على الإيمان والصلاة وأذاقهم اللّه بأسهم بينهم يقتل بعضهم بعضاً وكفارة لما اجترحوه وأخرج ابن عساكر عن وهب في الزبور يا داود سيأتي بعدك نبي اسمه أحمد ومحمد سيد صادق ولا أغضب عليه ولا يغضبني وأمته مرحومة أعطيهم من النوافل مثل ما أعطيت الأنبياء وافترضت عليهم الفرائض التي افترضت على الأنبياء حتى يأتوني يوم القيامة ونورهم كالأنبياء.
|